Wednesday, 3 July 2019

عزيزي الطالب، هل تشعر بضغط الدراسة؟


في بداية دراستي للدكتوراه، كان لزامًا عليّ أن أتعلم العديد من مهارات المختبر التخصصية التي تؤهلني لعمل أبحاث رسالتي. فوضعني الدكتور المشرف على رسالتي تحت التدريب في مختبرِ للأبحاث لمدة ثلاثة أشهر، عملت خلالها نهارًا وليلاً لكي أتعلم المهارات المطلوبة وأستطيع أن أبدأ بحثي، وقد أنهكني التدريب كثيرَا، من قراءة وبحث وعمل في المختبر لساعات طويلة طوال الأسبوع، وأحيانًا أخرى في عطلة نهاية الأسبوع، لدرجة أنني كنت أتذمر دومًا للدكتور المشرف وأطلب منه أن يُخفف عليّ عبء العمل لكي يمكنني الاستمرار فيه. إلا أنه لم يرضخ لتوسلاتي ولم يرضى، وجلس يخبرني كيف كان يذهب للمختبر الساعة 3 صباحًا أثناء دراسته للدكتوراه، لكي يحلل عيناته ويكمل بحثه.


وما زلت على هذا الحال في أول ستة شهور، حتى سنحت لي الفرصة أن أقابل الدكتور الأعلى من دكتوري المشرف، والذي كانت مهمته مراقبة تقدمي في الدراسة كل ستة شهور تقريبًا، عن طريق مقابلتي وقراءة التقرير الذي أكتبه له عما فعلته في الفترة الماضية. فحدثتني نفسي العربية بأنها فرصة ذهبية لكي أتحدث "للواسطة": الدكتور الأعلى من دكتوري، علّ وعسى أن يأمره بتخفيف عبء العمل عليّ.  وفعلاّ سنحت لي الفرصة لكي أخبره بذلك. فبعد أن قرأ الدكتور تقريري وناقشني في نتائج تجاربي، سألني: هل يعاملك الدكتور المشرف بصورة جيدة؟ فتلألأت عيناي باقتراب الفرج، وأخبرته: نعم نعم، فهو رائعٌ وضليعٌ جدًا في مجال عمله وأنا أستفيد منه ومن خبرته وتوجيهاته كثيرًا، لكنه يرهقني بالعمل الكثير ويطلب مني تجاربًا عديدة، كلما أعطيته نتائج تجربة، فرح بها وطلب الأخرى، وأظل أعمل لساعاتٍ طويلة في المختبر، وأنا جدًا متعبة.

توقعت الإجابة الطبيعية التي تعودنا عليها في الوطن العربي: حسنًا ... حسنًا، لا عليكِ. سأخبره أن يُخفف عليك جهد العمل. ولكن ما سمعته من الدكتور كان شيئًا آخر!!

الدكتور: ممتاز. هذا هو المطلوب.
أنا (مندهشة): لكنني مرهقة جدًا، وأعاني من ضغط العمل.
الدكتور (وهو يبتسم): رائع، Pressure makes diamonds.
فابتسمت ولم أعقّب، لقد وصلت الفكرة.
فكما يتكون الألماس (أقوى عنصر على وجه الأرض) من الكربون العادي (ككربون القلم الرصاص) تحت ظروف عالية من الضغط والحرارة، كذلك سيصقل ضغط العمل والتدريب والدراسة شخصيتي لكي تصبح أقوى وأفضل مما هي عليه.

تلك هي النصيحة التي لم أتخلى عنها طوال فترة دراسة الدكتوراه، فكلما زاد ضغط العمل وكثرت التجارب، وكلما تراكمت مواعيد تسليم النتائج والأبحاث وكتابة التقارير وغيرها، كلما تذكرت أنني بهذا كله أصقل شخصيتي للأفضل ولتحمّل الأكثر. وتلك هي النصيحة التي أنصح بها طلابي دائمًا.

لقد تعلمنا في الوطن العربي أن العمل الكثير والصعب نقمة، لذلك تجدنا كثيري التذمر، قليلي الإنتاجية، نبحث دائمًا عن طرق سهلة وساعات أقل للعمل. كذلك ربانا مجتمعنا العربي وكذلك يتربى أبناؤنا الآن، فهم يتنظرون المعلومة كاملة من المدرس ولا يرغبون في البحث عنها.  يريدون حفظ المعلومة للتخلص منها في الامتحان، ولا يريدون فهمها للمستقبل. يتذمرون من كثر ة الدراسة وكثرة الواجبات، ويبحثون عن المكاتب التي تقوم بذلك نيابة عنهم. يريدون أن يتخرجوا بشهادة، حتى وإن لم يفهموا تخصصهم. اللوم طبعًا لا يقع على الطالب وحده، بل يتقاسمه معه المدرس الذي يشجع هذه المفاهيم عند الطلبة ويقبل منهم هذه التصرفات، المدرس الذي يعطي للطلبة ما يكفيهم فقط لحل الامتحان، ولا يشرح لهم المطلوب في تخصصهم، المدرس يطلب من الطلبة حفظ المعلومة وكتابتها كما هي في الامتحان دون الحاجة لفهمها، المدرس الذي يعتقد أنه بذلك يُسهل على الطلبة دراستهم، ولا يعلم أن "الضغط يصنع الألماس".

No comments:

Post a Comment

جميع التعليقات مرحب بها طالما تحترم الآخرين ووجهات نظرهم.